حاجتنا الشديدة للضحك على الحكومة

بقلم: 

على بال زمن..بقلم صالح مشارقة

قبل أسبوع، تابعنا حملة ضخمة على الفيسبوك استهدفت الضحك والسخرية من مسؤول فلسطيني ارتكب زلة لسان وزلة علم غير مسبوقة، وثقت في تاريخنا الاجتماعي بما صار يعرف بالتدفئة الطلابية في المدارس. المنتقدون شيدوا معسكراً سياسيّاً فجأة، ولو نزلوا للانتخابات، لاكتسحوا مقاعد فتح وفصيلين من اليسار.

في المعسكر الإلكتروني هذا قيلت أجمل وأخف التعليقات والنكات على المسؤول، ضحكنا حتى القاع، ارتجت كل مفاصل السلطات خوفاً من أي غلطة جديدة. نجحنا في تعذيب العقل العمومي عشرين عاماً إلى الأمام في عدم قول أية تصريحات بعفوية، لم نقبل برد وزارة التربية وازدريناه، حتى وهو يعتذر بخوف من دكتاتورية الشعب الجديدة.
الحادثة الفلسطينية هذه، أثبتت أن الضحك في العقود الأخيرة صار سلاحاً. مبارك كان يرسل الجمال والبقر والحمير المدججة إلى الميدان، والشباب كان يردون على الهجوم بالنكات والكلمات النابية والساخرة، فيرتفع لواؤهم ويسقط نظام مبارك رويداً رويداً.
في معركة مجاورة، في سوريا مثلا أو ليبيا، الصراع بالأسلحة لم ينتج شيئاً، أنتج مستقبلاً مجهولاً وماضياً دامياً.
إذاً، الضحك مهم في الحركات الاجتماعية، وهو أحدث ما في خزانة أسلحة العوام الجدد، وأبسط ما في جعبة الجمهرات المنفعلة، سلاح جميل وغير محرم، يغيظ ولا يسيل دماً، أبيض جدّاً، ولكنه أحيانا يعمي. كيف صار ذلك العماء ومتى حدث؟.
تحولنا من جمهور إلى سلطة قمعية بصراحة عندما تم تعريض اسم المسؤول الحكومي للإهانة والتحقير من أكثر من شخص، وعندما تمت المطالبة بفصله أو معاقبته، وعندما تحول المدونون والمواطنون الإلكترونيون قضاة محاكم إدارية وقرروا أنه يجب أن يفصل من وظيفته، عندما تاجر كثيرون بعقل الموظف العفوي الذي يشبه عقول آبائنا وأمهاتنا وعقول العشرات من أصدقائنا، الذين يرددون صباح مساء نفس الزلات العلمية، في مديح التداوي بالأعشاب أو في قراءة الأبراج واحترام ما تقوله النجوم، من المؤمنين بالفال،إلى الواثقين بالقدر،إلى دافعي الأموال لقراءة الكف ومستخدمي السحر وصناعة الحجب للتخلص من الفيروسات.
لا أريد إعفاء الوزارة من النقد، ولا المسؤول عن الزلة غير العبقرية، ولا الحكومة من أن تكون وجهتنا كجمهور للمساءلة والنقد، لكن أن نتحول إلى ملوحين بقبضات وعصي ومحقرين ومطالبين بحرمان الناس من وظائفهم، فهذه لعبة، لا نتمناها للجمهور الصحافي الجديد، ولا للجمهور العادي الجديد، نناهض الدولة والحكومة، ولكن بسياق أخلاقي تغلب على هبل السلطات والمسؤولين والمديرين والوزراء، بطيبة اجتماعية تكون قدمها أعلى من نقمة بعض المتنفذين، بالنكات السهلة التي تكسر أحقاد الكثيرين من أبناء فكر السلطة- السلطة بشكل عام وليس السلطة الوطنية.
كنت أقرأ الليلة الماضية في مستقبل الحركات الاجتماعية، كما يراه آلان تورين، وأعجبني جدّاً أنه رأى في برلين وبكين 89 والربيع العربي 2011 تحولاً تاريخيّاً في أدوات وأيديولوجيا الحركة الاجتماعية الجديدة، الثوار الجدد لم يعودوا متدينين، ولا مستقبل للأديان كمؤثرات في حركة التاريخ، ولم يعد للدافع الوطني أو الروح الوطنية ذات المساحة الكبيرة في الفكر الاجتماعي، العم تورين يقول إن الأفق المفتوح الآن والأكثر ملاءمة للثورة أو الحركة أو التغيير يكون في عالمين: عالم الأخلاق الذاتية للأفراد، وعالم النحت الديمقراطي في هيكليات وبنى بدأت تهرم في العائلة والدولة والمدرسة والتدفئة إن شئتم.
يا إلهي: كم أبدو مُنظراً رديئا في هذا الصباح. أدافع عن خصومي! 
- نعم،أدافع لحاجتي الشديدة لعالم أخلاقي عادل تجاه ذاتي وتجاه الآخر. واعرف أن حاجتنا لرأي عام خلاق ومنتج أهم من حاجتنا للضحك على الحكومات.

مقال خاص بزمن برس