بان كيمون يخرج عن المألوف والسلطة تدخل بالمحظور

بقلم: 

لا استطيع أن أقول أن التنسيق الأمني هو بالضبط محظور . ولا استطيع أن أقول كذلك أن تصريحات بان كيمون واصراره رغم التوبيخ الاسرائيلي على انه بهذا يدعم الارهاب خروج عن المألوف. فأصر كيمون من جانبه أن ” مواصلة بناء الوحدات الاستيطانية استخفاف بالشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي…” وكان بان كيمون قد تجرأ بوصف الاحتلال بإنه شيئا لا يحتمل.

لا بد أن هناك شيئ ما بدأ المجتمع الدولي يراه ولم نعد نراه نحن الفلسطينيون. لربما تم تسوية الاحتلال بنا فلم نعد نفرق بين الاحتلال العسكري والاحتلال الفكري الداخلي. فهذا ليس التصريح الأول من شخصية اعتبارية بحجم الأمين العام للأمم المتحدة. فلقد هز كلام السفير الامريكي لدى اسرائيل كيان اللوبي الصهيوني بالداخل والخارج عندما انتقد سياسة الاستيطان علنا وفي مؤتمر بتل أبيب. وهناك وزيرة خارجية السويد التي فتحت النار على ممارسات إسرائيل ولم تكف إسرائيل عن الهجوم المضاد.

الغريب ……. هو الموقف الفلسطيني الرسمي.

هل هو مقصود؟

أم هي سوء إدارة للأمور؟

أم هو سوء حظ؟

ارجح الفرضية الاخيرة فنحن شعب “معتر” فمن الممكن أن تكون القيادة “معترة” الحظ كذلك.

فالقيادة الفلسطينية تصر على نهج؛ حقيقة لم يعد مفهوم. أهو سباق في ماراثون القيادة المرتقبة؟ فلعل أولئك يرون ما لا نراه. أو بالأحرى من غير المفترض أن نراه. ففي اللعبة السياسية بعيدة المدى لا يفهم العوام ما يجري. دورنا يقتصر على مرحلة معينة ووقت محدد. القيادة في هذا الصدد تشبه من يجدف في قارب على الرمل . ونحن الجمهور نرى ذلك بأم أعيننا وندرك انهم لا يجدفوا على ماء. وأخذهم الوهم فتوهموا وأوهمونا.

ونفس المشكله تستمر في عكس نفسها… تضارب التصريحات وكارثيتها أصلا.

والمصيبة الأكبر أنها ليست تصريحات صف ثان أو ثالث بالسلطة. فالكبار أنفسهم مصطفون في الوجهة الأولى للتصريحات، ثم يخرج الصف الأول المقابل ليؤكد أو يضحد. ثم يتم الزج بالصف الخامس للتصفيق أو حمل الكراسي ورميها على المصرحين والجمهور…

آخر التصريحات المدوية من الصفوف الأولى بالقيادة، ولا نزال بالموضوع الأمني. لا أعرف كذلك إن كانت هذه مصادفة، أم أن رؤساء الأجهزة الأمنية هم من مرشحي سباق الرئاسة المرتقبة (بعد عمر طويل) ؟

في وقت سابق من هذا الأسبوع خرجنا بتصريحات الرئيس التي أكد فيها حرصه على التنسيق الأمني واحترامه للاتفاقيات ورغبته أو محاولته بلقاء نتانياهو للعودة إلى المفاوضات ورفض الآخر. وبالتالي رد الآخر منكرا ادعاء الرئيس. واليوم الرئيس من جيبوتي يؤكد أنه أو إننا نلتزم بالسلام ولا نلتزم باتفاقيات لا تحترمها إسرائيل. بالحقيقة لم أفهم معنى هذا التصريح. ولا أفهم لم يغير الرئيس لهجته عند الخروج من البلد وتصبح أكثر ما تشبه التهديد. ولكن ما الذي يقصده الرئيس؟ ما هي الاتفاقيات التي لا تحترمها إسرائيل ونحن لن نلتزم بها. هو من المفروغ منه أن إسرائيل لا تحترمنا فمن البديهي أنها لن تحترم الاتفاقيات بيننا. ولكن ما هي هذه الاتفاقيات. هل يوجد غير أوسلو وما ترتب عليها من تفاهمات؟ وهل هناك غير التنسيق الأمني بيننا وبين إسرائيل؟ أو لهذا تقرر القيادة الفلسطينية بأغلبية على حسب أحد البارزين منها (محمد شتية) أنها قررت إرسال وفد أمني مكون من ثلاثي الأجهزة الأمنية (المخابرات والوقائي والارتباط) لمقابلة نتانياهو. أو طلب مقابلته؟ على حسب التصريح الجديد الذي أنكره المعبوثون أو لم يؤكدوه فإنهم سيقومون بما يشبه التهديد لناتنياهو. اتخيل سيناريو يشبه ذهاب ثلاثتهم كوجهاء العشائر لمقابلة العشيرة العدوة لطلب فراش عطوة قبل خروج الأمور من السيطرة المحكمة عليها. درءا لسفك الدم ..

ولكن ها هم يقعون بنفس الفخ الذي حفره الاحتلال لهم ويشدونا معهم إليه. لا زلت لا أفهم من الذي يهندس هذه العملية السياسية.. ولمصلحة من تذهب؟

ولا زلت أؤكد بأنني لا أخون أحد، ولن اطلق الاتهامات على أحد. لا بد أن هناك دوافع شخصية يقع فيها كل أصحاب السلطة جعلتهم يضلون الطريق نحو الوطن. فلم يعد أحد منهم يرى إلا ما يريده. وما يريده الجميع منهم اليوم هو الرئاسة القادمة.. سواء بطموح رئيس أو قوة يتم الحفاظ عليها أو تزيده تمكينا. ولكن لا نرى نحن كشعب أي منهم.. هل يرانا أو يعي أصلا ما يدور؟! القتل اليومي الذي يحدث، الظلم المستمر، التنكيل اليومي. وهذه العلاقة مع الاحتلال.. لندع التنسيق الأمني جانبا.. ونسلم به. ولكن موضوع العودة إلى طاولة المفاوضات التي من المفترض أننا نحن من أوقفناها بسبب تعنت إسرائيل قبل سنوات على ما أذكر. من المفترض أن الرئيس وعلى منصة الأمم المتحدة أعلن شيئا كهذا أيضا. وفي كل مرة نسمع عن تهديداتنا بعدم الاستمرار بالمفاوضات لتعنت اسرائيل وعدم احترامها لاي شيء تم الاتفاق عليه أو لم يتم.

فلماذا نقف اليوم في هذا المكان. لم نستجدي إسرائيل للرجوع إلى المفاوضات؟

وما الذي نريده من المفاوضات؟ هل هناك حاجة لحراك نحو حل تفاوضي جديد؟

إن تعنت إسرائيل في هذا الشأن هو أحسن ما يجري لنا. لأن أي تسوية بالوضع الحالي هي تسوية كارثية؛ فمخطط إسرائيل واضح، وما يتم المحاولة في التوصل إليه هو الحصول على اتفاق على حسب الوضع القائم؛ أي حكم مدني بتنسيق أمني على ما هو عليه.

وما تقوم به اسرائيل هو شراء لوقت لتكملة مخططها المترتب عليه إكمال بناء الجدار وزرع ما يمكن من مستوطنات في أي مكان ممكن ومصادرة ما تتمكن منه من أراضي وتحكيم الحواجز بتحويلها إلى معابر رسمية بين دول.

كيف وصلنا إلى مرحلة تقف بها قيادتنا حاملة لورقة سياسية واخدة فقط خاسرة بكل المقاييس وتلوح بها؟

ما الذي يدركونه ولا ندركه؟

هل مثلا من الممكن أن تعد لنا إسرائيل أفران محرقة كما فُعل لليهود من قبل؟ هل تخشى علينا قيادتنا من المحرقة مثلا؟

ما الاسوأ الذي ممكن أن يقع؟ شعبنا يذبح.. يعدم يوميا على الملأ. وإسرائيل تشن حملات لا تتوقف ضدنا تحول الجلاد الى ضحية. ويبدو وكأن قيادتنا تمشي وراءها بلا وعي منها. هناك ما يبدو من التناغم. لا تريد القيادة الإعلان أنها ليست مع ما يجري من عمليات طعن ودهس خوفا من ردود الأفعال. وفي نفس الوقت ترسل لإسرائيل برسائل مباشرة أو غير مباشرة بأنها ضد ما يجري.

لو كنت مكان القيادة لواجهت الشعب. لخرجت للشعب لأتكلم عن الوضع الراهن وما يترتب عليه. لم لا يتجرأ أي من أصحاب السلطة بالخروج للملأ والقول أن الدم الذي يتم هدره يوميا هو خسارة فادحة لنا كشعب؟ لم لا يتجرأ أحد بالخروج والتفاوض مع الشعب المنتحر يوميا. كم من الصعب أن يخرج هؤلاء ليخاطبونا بلا أجندات انتخابية لانتخابات لن تحدث، ولناخب لم يعد يصدق أو يثق بأي شيئ.

لا بد من مراجعة ومواجهة لما يجري اليوم بالشارع الفلسطيني. الخلل مستمر وعدم معالجته لا تؤدي إلى إنهائه. هل الطعن والدهس مثلا أصبح عبثيا؟ لم الخوف من قول هذا. مواجهة هذا أفضل لنا من استمرار الإعدامات التي نشاهدها يوميا ولم نعد نعرف الأسماء حتى. يبدو لي أن القيادة الفلسطينية تعيش في اضطراب لا تعرف كيف تخرج منه. بداية محاولة احتواء الأزمة بعدم التدخل والاكتفاء بدور المتفرج، معتمدة على انتهاء الهبة. ولكنها اليوم تبدو وكأنها تنسق مع الاحتلال لإنهائها من خلال ما نراه من تخبطات في التصريحات من تأكيد وإنكار.

هناك حاجة لمواجهة حقيقية؛ مواجهة بالواقع بلا تزيين لن يغطي التشوهات الحاصلة. وبلا ترهيب أو فرض تغييرات. المواجهة من خلال خروج المسؤول والكلام مع الشعب هي حاجة اليوم. الكلام المباشر. لنسمع منهم ما يرونه وما يعرفوه وما لا نراه ولا نعرفه. ليس من خلال مقابلات مع محطات أجنبية . ولا من خلال لقاءات مع إسرائيليين وتوجيه الرسائل لنا من خلالهم بطرق غير مباشرة. ولا من خلال خطابات لأهداف انتخابية قادمة.

نحتاج خطابا يخاطبنا نحن والمرحلة بصدق.. هل هذا مستحيل؟ أم هي سذاجة مطلقة من جانبي؟