قمصان "سمول" ووجوه منقطة

بقلم: 

على بال زمن*.. بقلم: صالح مشارقة

ستكون أيام صعبة قبل العيد، فثمة بيوت مكسورة وعائلات تحوّل من بقي منها على قيد الحياة إلى تماثيل مهشمة الملامح.

كيف يمكن أن تمر بشارع فيه قمصان وبلايز صغيرة وماليكانات أطفال من البلاستيك، نسي التاجر أن يركب فيها اليد أو القدم دون أن تتذكر الأطراف المبتورة.

ماذا لو لوّن صانع الألعاب الألعاب الصيني وجه دمية بنمش أحمر، وتذكرت أنت نقاطاً حمراء أخرى كانت تغطي الوجوه والأيدي والأرجل الصغيرة في غزة.

كيف يمكن أن ترى حذاء زهرياً لطفلة دون أن تتذكر ذلك الحذاء الرياضي الصغير الذي ازاحه عامل التنظيف في مستشفى الشفاء في غزة بعد أن غطى النائمين الأربعة على سرير واحد.

كيف يمكن أن تشتري للعيد، ويصادفك متقاعد جاء يشتري لأحفاده، دون أن تتذكر الرجل الخمسيني الذي رفض أن يبكي في مجزرة الشجاعية وهو يقول "اثنين من ولادي واثنين من أحفادي".

كيف ستتحمل أن ترى شاباً باكتاف عريضة يمر في أحد شوارع رام الله، ولا تسمع صوتاً سمعته قبل شهرين في بيت لاهيا،  من نفس الشاب يجلس على درج منزل ويطلب من والده المسن الهرب من القصف المجنون ويدير له ظهره "اطلع يابا اطلع يابا".

وإن رأيت طفلةً تحمي شقيقها الأصغر من أقدام المتسوقين، تذكر تلك الصورة العبقرية لطفلة من غزة تحتضن شقيقها الرضيع وتحتها مكتوب "طفلات صرن أمهات لأخوانهن الأيتام".

تجنب أن ترى يداً صغيرةً ممدودةً إلى إحدى هدايا العيد، فثمة صوّر في الذاكرة لأيادٍ كثيرة امتدت للممرضين في غرف الطوارئ وقالت: "بدي ماما".

وإن تاه ولد في السوق عن أهله، تذكر ذلك الذي تعلق برقبة المسعف ورفض أن ينام بين الممرضين ليوقفوا نزيفه.

إفرح قليلا إن رأيت ملابس عيد للأطفال تشبه سترات الصحفيين الواقية، وتذكر المصوّر السويدي الذي أعطى خوذته لولد لف كيس بلاستيك على جسده كسترة واقية تحميه من القنبلة.

إقترح أن تراسل وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية مصانع ألعاب الأطفال في العالم، لكي  يفتحوا خطوط انتاج جديدة لألعاب الأسلحة فقد يكون ذلك أملاً يعيد التوازن للأولاد الخائفين من إسرائيل.

زوّروا طائرات أو سفن حربية واوصلوها على شكل ألعاب يسمح المعبر الإسرائيلي بادخالها إلى أطفال غزة ضمن زيف عمليات الإعمار .. اضحكوا عليهم ولو لمرة واحدة، الضحك على الأطفال الفقراء قد يجدي أحياناً.

إذا كنتم هنا أو خارج هنا، ورأيتم بيوتاً حجريةً جميلةً بحدائق وأسوار، فكروا بموقع لخيمة صغيرة في المكان، يسكنها أناس غير مرئين في السياسة والاقتصاد والإعلام، هم أصحاب البيوت المدمرة في غزة والذين تحرمهم الوكالة أن يزيحوا متراً واحداً من الركام كي لا يخسروا توثيق الحالة الاجتماعية.

ستكون اياماً صعبة في غزة، ومع صباح العيد سيكون أولاد وبنات من قانا وشاتيلا وصبرا وغزة لن يطلبوا العيديات والهدايا، بل سيقفوا صامتين وهم يسمعون قراءات الفاتحة وتراتيل الكنائس غير مكترثين بكل هذا، بل خائفين من عودة إسرائيل إلى المكان في أي لحظة.

-مقال خاص بزمن برس