"طباخو الدم" في اسرائيل يستقيلون

بقلم: 

على بال زمن*.. بقلم: صالح مشارقة

يتذمر ضباط الاستخبارات في إسرائيل بعد حفلة الدم الأخيرة في غزة، يستقيلون ويرفضون الخدمة في جمع المعلومات الالكترونية حول المطلوبين الفلسطينيين، يبعثون رسائل لرئيس الوزراء وقائد الجيش: لا نريد أن نكون جواسيس يأتي بعدنا سلاح الدبابات ليفني حياً فلسطينياً في الشجاعية، نومنا صار كابوسا.

الصحف تنشر اليوم في كل العالم شهادات هؤلاء الذين فرغوا مقابلاتهم في "يديعوت أحرنوت". شهادات مخزية عن مهندسي الكترونيات يعيشون عار أن يتلصصوا على مرض البواسير عند فلسطينيين، خريجو أعلى أكاديميات إسرائيل يتورطون في ملاحقة أسرار امرأة فقيرة دخلها الشهري لا يزيد عن مئة شيكل، لإسقاطها وقتلها في نهاية الأمر، خريجو علم اجتماع وعلم نفس إسرائيليون بدل أن يتحولوا إلى شعراء ومسرحيين ومفكرين تصير وظيفة عمرهم ملاحقة مراهق فلسطيني لإسقاطه جنسياً، خريجة لغات من جامعة إسرائيلية بدل أن تجلس في المؤتمرات للترجمة الرفيعة تقضي عمرها في ترجمة رسائل نصية عن أناس يمارسون الجنس عبر الهاتف ليس في الضفة أو غزة بل في عمان أو القاهرة أو بيروت، أو الجولان المحتل.

هذا الخراب الإنساني يحدث في الوحدة 8200 من استخبارات اسرائيل، وهذا القرف يرفع إلى مستوى أعلى في الجيش فتأتي فرق داعشية إسرائيلية أخرى اسمها سلاح المدرعات أو الجو، ويكون المشهد بدائي ومتوحش تماماً: ضابط في الوحدة المذكورة يتصفح فيس بوك عائلة في غزة، وجوه أطفال ونساء وصور حارة فقيرة من الزينكو، وضابط آخر يأخذ "برنت سكرين" عن شاشة ويحاول بالمنظار العثور على الوجوه ولون الشعر وربما يتكهن شكل المشية أو الابتسامة ليقول لجنوده: "ايش" أو "نار" بالعربية ويرتكب المذبحة دون أن يرف له جفن.

هذه هي إسرائيل الكاملة، التي استأجرت بيتا ومزرعة في غابة النازية. ويبدو أننا كنا بسطاء وأنسويين على رأي ادوارد سعيد في كل أفكارنا عن المجتمع الاسرائيلي النابت كالشوك، في أجمل أرض محتلة، هذا هو شعوري الحقيقي الذي واجهته قبل شهر في جنوب لبنان عندما وقفت على قلعة شقيف ونظرت إلى اصبع الجليل ورأيت قرانا الفلسطينية والسورية المحتلة، لقد سرقوا جمالنا بالتحديد، أكثر من مقدساتنا أو ترابنا الوطني، عدو مليء بالغيرة من الجمال أساسا يكره الآخرين لأنهم أجمل منه، وأدواته في الفوز والتخلص من فوبيا الغيرة هي باحتلال الجمال ومصادرته من الآخرين.

قد يفسر هذا شهادات الضباط الاسرائيلين البشعة، التي كشفت حجم الخراب الانساني في الشخصية الإسرائيلية.

المؤلم أننا لطالما أدرنا وجوهنا عن مقولات عربية وإسلامية متطرفة تجاه إسرائيل وقلنا أنها غير حضارية وفجأة اكتشفنا أن صرخة أمير داعشي متسرب من إحدى المدارس وأمي قراءة وكتابة وتفكير هي أقل وحشية من "سيستم" اسرائيلي كامل مليء بحملة الدكتوراة والماجستير والدورات التقنية العالية.

يجب أن تحول هذه المادة فيلم إنساني كبير، بطلته فتاة يهودية اسمها سارة، جميلة وذكية وخلاقة، أكملت بكالوريوس "تخنيون"، فوجدت وظيفة في الوحدة 8200، عملت واجتهدت وجمعت معلومات عن الهدف المطلوب في مخيم خان يونس، أب وطويل واسمر ويتابع صور أولاده على الفيس بوك باسم مستعار رقم الكمبيوتر الذي يستخدمه للاتصال بالأسرة هو كذا، يستخدم موقع الهدايا الالكرتوني المجاني في ياهو ميل لإرسال صور العاب لأطفاله، يلاطف زوجته باسم مستعار، وبعد أشهر من الوظيفة وفي ليلة عمر "سارة تل أبيب" مع شريك عمرها يرن الجهاز الخاص فجأة ويسأل الضابط الذي على تخوم غزة: مبروك سارة .. لدي سؤال مهم.. هناك بنت اسمها سارة "تدردش" مع هدفنا في خان يونس..حددنا دائرة الهدفة والمسافة والاحداثيات المطلوبة..والغريب إنها  تستخدم لوحاً ذكياً موجوداً في مطبخ، والهدف مع زوجته في غرفة نوم.. تقول له يا حبيبي.. من هي سارة، وتسكت سارة تل أبيب وهي تنظر الى العريس في السرير، وتقول: إنها سارة ابنته خريجة العلوم التقنية بارعة في الانترنت ومنذ شهر لم تره وتستغل عودته للمنزل لتدلله، ويرد هاتف الجبهة : اذن هو الهدف، ليلة سعيدة... وترد: نعم.

وتقتل سارة تل أبيب سارة في خان يونس.

هذه هي اسرائيل الأمس واليوم وسترتفع العوارض غداً.

-مقال خاص بزمن برس