غزة.. أسئلة وتساؤلات عن النصر وما بعد ذلك

بقلم: 

ثمة الكثير من الأسئلة والشكوك والتشكيك التي ستثار وتقال وتطعن وتشكك بالنصر، وستبرز للسطح بقوة بعد وقف العدوان الهمجي الصهيوني على قطاع غزة، على شعبنا ومقاومتنا هناك، أسئلة من طراز هل حقاً انتصرت المقاومة وما طبيعة هذا النصر؟؟ وهل تكلفة الدم والتضحيات والدمار الهائل التي دفعها شعبنا توازي ما تحقق من إنجاز ونصر؟؟ وبماذا اختلف ما تحقق من أهداف عما كان مطروحاً في الأسبوع الثاني من الحرب ضمن المبادرة المصرية؟؟ وهل الحرب التي شنت على غزة كانت بالوكالة عن أطراف عربية وإقليمية ودولية..؟ وغيرها الكثير من الأسئلة والتساؤلات.

بداية لا بد من القول إن «إسرائيل» الدولة المدججة بالترسانة العسكرية والتكنولوجية الهائلة، بما فيها المخزون النووي الاستراتيجي وإرادة القتل المفتوحة واعتماد سياسات الحرب الخاطفة والحسم العسكري السريع، لكون جبهتها الداخلية لا تحتمل أي حروب استنزاف طويلة، وقد جربت ذلك في حرب الاستنزاف على الجبهتين المصرية والسورية، ولذلك هي تعتمد على الحسم السريع والخاطف للحروب، وتالياً هي من يحدد شروط ونهايات الحروب والمعارك،ولكن هذه الحرب التي كانت تراهن على نصر ساحق فيها في ظل وضع عربي متردٍّ يعيش أزمات وإخفاقات ما يسمى الربيع العربي، وضعف الحالة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها، غير متوحدة الإرادة والاستراتيجية والبرنامج، وكذلك ما أنجزته من تحصين لجبهتها الداخلية من خلال استكمال المشروع الأمريكي- الإسرائيلي للقبة الحديدية، جعلها تخرج لهذا العدوان متيقنة بأن استعادة هيبة جيشها وقدرتها على تحقيق النصر بعد الهزيمة التي لحقت به في حربها العدوانية على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006/، ستغير من المعادلات والصورة لهذا الجيش في المستقبل، ولكن ثبت لها بأن هذه الحرب التي استمرت مدة (51) يوماً لم تستطع فيها أن تحقق أي حسم أو إنجاز للأهداف التي من أجلها شنت الحرب والعدوان، كسر إرادة المقاومة وتدمير بنيتها التحتية من أنفاق وورش ومصانع للسلاح والصواريخ، تصفية الأجنحة العسكرية للمقاومة، وتدمير مخزونها من الصواريخ والقضاء على تقنيات تصنيعها وإنتاجها، وخلق شرخ ما بين المقاومة وبين الجماهير الشعبية، من خلال ارتكابها لجرائم حرب ومجازر وإبادة جماعية. لكي يمكنها ذلك من فرض شروطها وإملاءاتها فيما يخص المشروع السياسي الذي تنوي فرضه على الشعب الفلسطيني، والذي يحمل في جوهره تفكيك المشروع الوطني الفلسطيني وإنهاء قضيته، بما يلغي حق العودة ويمنع توحد الوطن ويحسم السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مدينة القدس. ولكن كيف تطورت وانتهت الأمور..؟؟، المقاومة جرت الاحتلال إلى حرب استنزاف طويلة، تمكنت خلالها من أن تلحق هزيمة بجبهته الداخلية، والتي أصبحت تشكل عاملاً ضاغطاً على الاحتلال لوقف العدوان والاستجابة والقبول بمطالب المقاومة، أو حفظ ماء الوجه، وخصوصاً أن المسألة تعدت قضية الخسائر الاقتصادية الكبيرة في الجبهة الاقتصادية، لتصل حد هجرة مستوطني غلاف غزة لمستوطناتهم، وبما يحمل من مخاطر جدية على المشروع الصهيوني القائم على الاستيطان والتوسع، وكذلك فرض الحصار على الغلاف الجوي الإسرائيلي لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. المقاومة كذلك رغم الفارق الكبير في الإمكانات والقدرات على كل المستويات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والاستخباراتية وغيرها، إلا أنها استطاعت أن تعدل بالإرادة والتحام الجماهير مع المقاومة من ميزان القوى، حيث حققت توازناً للرعب مع العدو من خلال منظومة صواريخها التي طالت أغلب مدن العدو في الداخل الفلسطيني-48 - بما فيها حيفا والقدس، وأيضاً في المجابهة العسكرية المباشرة في الحرب البرية، استطاعت أن تكسر هيبة أقوى لواء عسكري إسرائيلي، لواء النخبة «جولاني» في معارك الشجاعية، وهذا شكل نقطة جوهرية ومهمة للعدو في إعادة النظر في التقدم البري داخل قطاع غزة، وأيضاً هنا نقطة أخرى في غاية الأهمية وهي أن المقاومة لم تحارب وتقاوم داخل حدود قطاع غزة، بل نفذت عمليات نوعية في مستوطنات غلاف غزة، وكذلك مخزونها من السلاح الاستراتيجي الذي كانت «إسرائيل» تراهن على نفاده بسبب الحصار وعدم التجديد، لم ينفد والشعب لم يتعب في لعبة عض الأصابع ولم يخرج على المقاومة، بل كان يزداد تشبثاً والتفافا حول المقاومة ومطالبها. ولذلك الهدف المركزي للعدو بنزع سلاح المقاومة وتدمير بنيتها التحتية وتصفية أجنحتها العسكرية لم يتحقق، بل هنا تحقق شرط آخر هو وقف عربدة وزعرنة «إسرائيل» في القطاع بالتصفية والتوغل داخل قطاع غزة، وأيضاً القضايا المتعلقة بالمواد الخاصة بالإعمار لم تستطع «إسرائيل»أن تضع فيتو عليها.

والحديث هنا في الاتفاق يجري عن فتح كل المعابر من وإلى قطاع غزة وليس معبري خان يونس وكرم أبو سالم. مع مفاوضات مستمرة عن القضايا الجوهرية الأخرى بسقف زمني، وهي المطار والميناء والممر الآمن والأسرى. والقيمة الأخرى المتحققة هنا كنصر، هي تثبيت وتدعيم خيار المقاومة كنهج وثقافة في الساحة الفلسطينية، وتراجع مشروع دعاة نهج التفاوض فلسطينياً، وأيضاً هذا الصمود وهذه المعركة تؤسس لمعارك قادمة ربما تكون أمّ المعارك بتوصيفات أمين عام حركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح، وكذلك أظهرت هذه الحرب أن المقاومة الفلسطينية انتصرت بإمكاناتها وقدراتها الذاتية من دون أن يهب أحد لنجدتها، بل وجدنا هناك من العرب من يصطف لجانب العدو ويعمل على تصفية ونحر المقاومة، وأيضاً كانت هناك أطراف عربية وإقليمية تريد المتاجرة بدماء وتضحيات شعبنا لمصلحة مشاريع وأجندات غير فلسطينية، وربما بعض الأطراف الفلسطينية بدت متجاوبة مع ذلك! وهذه الحرب سرعت كثيراً في توحيد الموقف السياسي الفلسطيني، وشكلت عامل ضغط على السلطة الفلسطينية، لكي ترتقي في قرارها ومطالبها إلى مستوى مطالب المقاومة، وهذا شكل عاملاً مهماً في التوحد السياسي الفلسطيني إضافة للتوحد الميداني.

ولكن رغم ذلك فإننا سنجد من يتطاول على المقاومة والصمود والنصر، وسيحاول تفريغ ما تحقق من مضمونه، ليقول لنا إنّ هذا النهج والخيار عبثي، وجلب لنا الدمار والخراب، ولذلك يجب علينا أن نكون حذرين وواعين فهناك الكثير من الأقلام المأجورة ستخرج لنفث سمومها.

ما ترتب على هزيمة «إسرائيل» في أطول حروبها الاستنزافية، ربما يُخرج «إسرائيل» من دائرة الحروب العسكرية مستقبلاً ويجعل منها دولة غير صالحة للحروب مستقبلاً وربما تكون هذه الحرب آخر حروبها، ومن لم ينتصر في غزة لن يستطيع الانتصار في حرب مع إيران أو سورية وحزب الله.

الآن علينا أن نعرف كيف نستثمر ما تحقق من نصر وصمود في الجانب العسكري في المعركة السياسية والتي ستكون على نحو أخطر وأشرس.