"ميدان إميل حبيبي" في حيفا...

بقلم: 

في مطلع الأسبوع الحالي احتفينا بذكرى الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي، صاحب "سداسية الأيام الستة" و"المتشائل" و"إخطية" و"سرايا بنت الغول"، من خلال تدشين ميدان يحمل اسمه في وسط مدينة حيفا، سيكون شاهدًا آخر على إرثه.

وأعاد ذلك إلى الأذهان أن إبداعات حبيبي في مختلف مضامير كتاباته، والتي تتيح للقارئ إمكان الإطلالة على مذاق الكينونة الفلسطينية عامة وفي الداخل خاصة، حافلة من ضمن أشياء أخرى بتوصيفات للمكان الذي عاش تبدّلاته في منعطفات المصير الإنساني. ومن الطبيعي أن تكون متصلة اتصالاً وثيقًا بمدينة حيفا، التي اختار أن تكون فيها رقدته الأبدية داعيًا إلى نقش عبارة "باقٍ في حيفا" على شاهد قبره عند سفوح جبل الكرمل، وعلى مقربة من موج البحر.

ولا أجد أنسب لهذا الاحتفاء، من العودة إلى نصّ كتبه حبيبي قبيل رحيله، ويجوز لنا أن نحتسبه بمثابة وصية. وقد نُشر بعد وفاته، عام 1996، في كتاب منفرد ضمن مجموعة أعماله الأدبية، ولفت الناشر ("دار عربسك" المسؤولة عن إرثه) إلى أنه كان قد انتقى له عنوانين هما: "سراج الغولة"، و"لا تطفئوا هذه الشمعة"، من دون أن يرجّح كفّة أحدهما على كفّة الآخر.

في هذا النص يقرأ حبيبي تجربته الأدبية مستعينًا ببعض الصور من أعماله الناجزة.

وفي واقع الأمر، فإن قراءته لهذه التجربة تتمظهر- في وعيه التام- في هيئة قراءة أخرى، موازية ومكملة، للتجربة السياسية الشخصية التي تحاول أن تشتقّ مفرداتها ومستحصلاتها واستشرافاتها من مستويات التجربة السياسية الفلسطينية.

ولئن كانت هذه القراءة تشفّ عن شيء جوهري، فهو نزعة يستبطنها لا تحيل فقط إلى "الموقف النظريّ" الذي يتبناه وفحواه أن على الأدب، بالضرورة، أن يزامل السياسة ويتحالف معها، وإنما تحيل أيضًا إلى أن خصوصية الحالة الفلسطينية لا تسمح بذلك الفراق بين الأدب والسياسة، شرط أن تتبدّى الأخيرة في مدلولاتها النبيلة، ولا سيما مدلول خوض صراع مفتوح من أجل حالة أفضل على المستوى الإنساني العام.

ولعل أكثر ما تميّز به هو حمله مصباح الحكيم ديوجين ليكشف لآلئ إنسانية زاغت عنها أعين البشر في أرضنا الطيبة، مستندًا إلى سلاح الحقيقة وحده.

ويخيل إليّ أنه لو حضر بيننا الآن لكان أسعد حالاً، وهو يعاين ما يحدث من حولنا مما سمّاه أحد المفكرين العرب اليقظة العارمة على الحقيقة، كون روحه سبقت هذه اليقظة في إدراك أنها مفتاح كثير من المستحيلات.

 

المصدر: 
النهار